وسائل الإعلام الرياضى ( التلفزيـون )
معنى التلفزيون: الرؤية عن بُعْد ، ويمكن تعريف النظام التلفزيوني بأنه أسلوب إرسال واستقبال الصورة الحية المرئية والمسموعة بأمانة.
"والتلفزيون أقدر وسيلة إعلامية عرفها الإنسان، لأنه يجمع بين الصورة والصوت، وبذلك يستطيع السيطرة على حاستي السمع والبصر، وهما من أهم الحواس وأشدها اتصالاً بما يجري في نفس الإنسان من أفكار ومشاعر، وهو ينقل الحدث إلى مشاهديه في أغلب الأحيان وقت حدوثه، وينقله بما فيه من معان وانفعالات، وكذلك ينقل المعلومات الجديدة داخلية أو خارجية بأسلوب سهل وجذاب، ويساعد على معرفة المشاهد محيطه، ومعرفة العالم من حوله."
فالوظائف التي يقوم بها التلفزيون أكثر اتساعاً وتنوعاً مما تقوم به وسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى، ويمتلك مجالاً أوسع وأغنى لتصوير العالم وتقويمه.
أولاً: انتشار التلفزيون وأهميته:
احتكرت الصحافة المكتوبة عملية تشكيل الرأي وصياغة التعبير عنه "مدة تزيد عن ثلاثة قرون، وذلك من القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر، ولكن التقدم العلمي والتكنولوجي، الناجم عن التطور الاجتماعي والتاريخي، وضع حداً لهذا الاحتكار، فظهرت طرق جديدة لنشر الأخبار وتوزيعها، ومخاطبة الجماهير الواسعة."
وكان التلفزيون واحداً من هذه الوسائل المؤثرة، وفي عام 1930 كانت البداية الرئيسة لاستخدام التلفزيون بشكل واسع، عندما أخذت التجارب في تأسيس محطات خاصة به في إنجلترا وأمريكا وألمانيا وفرنسا وإيطالية والاتحاد السوفيتي، وفي عام (1936) بدأ البث التلفزيوني المنتظم في بريطانيا. وبحلول عام 1945 ازدهر بناء المحطات التلفزيونية في بعض الدول الأوربية وأمريكا والاتحاد السوفيتي، ثم أخذت صناعة التلفزيون تزداد تطوراً، لاسيما بعد اختراع التلفزيون الملون، واستخدام البث بواسطة الأقمار الصناعية.
وما زال تطور التلفزيون سريعاً منذ وُجِد، حتى إن عصرنا صار يعرف بعصر الاتصالات، وصار البث المباشر ميزة التسعينات من القرن العشرين.
ويعتبر التلفزيون اليوم أوسع وسائل الإعلام انتشاراً، وأكثرها تأثيراً في حياة الشعوب، واستطاعت القنوات الفضائية أن توصل بثّها إلى جميع البقاع في الكرة الأرضية، وصارت بعض المحطات القوية موجودة في كل مكان على هذه الأرض تقريباً، وعلى مدار أربع وعشرين ساعة.
واستطاع التلفزيون أن يدخل إلى حياة الشعوب،ويحتل مكاناً بارزاً في قائمة ضروريات المنزل، ويتربع في زاوية المكتب، أو مكان العمل، بل يصحبه سائق السيارة في سيارته، "ولم يحدث أن انتشرت وسيلة إعلامية جماهيرية كما انتشر التلفزيون… حتى في الدول النامية نلاحظ أنه على الرغم من انتشار أجهزة التلفزيون المحدود إلا أن الإرسال التلفزيوني يصل إلى جماهير غفيرة من المشاهدين أكثر مما يتوقع، حيث نلاحظ باستمرار في كثير من الدول النامية أن هناك جماعات مشاهدة تنشأ في المنازل، أو في أماكن التجمعات البشرية كالنوادي، وأماكن العمل والمقاهي وغيرها."
وفي البلاد المتقدمة كان التلفزيون أكثر أهمية، وأبلغ تأثيراً، "وقد أجرت إحدى الدوريات الأمريكية استقصاءً استهدف التعرف على أهم المؤسسات ذات السلطة والنفوذ في حياة المجتمع الأمريكي، كانت نتيجته أن جاء التلفزيون في المركز الثاني بعد البيت الأبيض مباشرة، بينما جاءت الصحف في المركز الثاني عشر، كما احتلت الإذاعة المركز السابع عشر من بين المؤسسات المختلفة، وفي دراسة أخرى سئل فيها الباحثون عما إذا قُدِّر لهم أن يحتفظوا بوسيلة واحدة من الوسائل الإعلامية، فكانت النتيجة تفوق التلفزيون، وحصوله على أعلى نسبة مئوية بين جميع الوسائل الإعلامية، ثم جاءت الإذاعة، فالدوريات من صحف ومجلات.
واليوم ضعفت المحطات وتراجعت بسبب ظهور القنوات الفضائية، التي انتشرت في جميع الأرجاء، وأصبحنا نرى في بعض البلاد عدداً من هذه القنوات، بينما اقتصرت بعضها على محطة فضائية واحدة. ونستطيع أن نقدر انتشار هذه القنوات الفضائية واهتمام الناس بها بالنظر إلى أسطح المنازل، حيث لا يكاد يخلو سطح من الصحون اللاقطة (الدش).
وتتنوع هذه القنوات التلفزيونية، فمنها الحكومي والأهلي، ومنها العلمي والفني والرياضي، ومنها الديني والحزبي، ومنها أيضاً الجنسي الداعر، وللجمهور المشاهد في العالم أن يختار ما يحلو له من بين هذه القنوات.
ثانياً: خصائص التلفزيون
1_ التثقيف والتعليم: للتلفزيون أهمية خاصة في هذين المجالين، وذلك عائد لقدرات التلفزيون الكبيرة، ففيه الصورة المسموعة، والمعروف أن هذه الصورة لها أثرها التعليمي، فهي تزيد من وضوح الكلمة، مما يؤدي إلى زيادة في فهم معناها. والكلمة نفسها توضح ما تتضمنه الصورة من أفكار ودلالات ومعان ومفاهيم، وهذا كله يساعد على سهولة فهم الموضوع الموجه واستيعابه.
كما أن التلفزيون فيه المقدرة على جعل العالم بين يدي المشاهد، ونقله إلى أماكن لا يمكنه الوصول إليها، مثل أعماق البحار والفضاء، والغابات الممتلئة بالوحوش.
وهو يتيح نقل أحداث ووقائع ومعلومات علمية دقيقة تعجز الأجهزة الأخرى، والطاقة البشرية المجردة عن الوصول إليها.
2_ التربية: لم يقف التلفزيون عند حد التعليم، بل تعدى ذلك إلى التربية، وصار له دور هام في تربية الجمهور، وبخاصة الأطفال، فله تأثير في تربية العقيدة والمبادئ والأخلاق والسلوك، إضافة أنه يقوم بوظيفة التربية الفنية والجمالية.
3_ للتلفزيون خصائص جامعة لم توجد في غيره، فقد ورث الحوار والحدث والتمثيل عن المسرح، وورث عن السينما شاشتها وطريقة عرضها، حيث يقدم الواقع المصور، كما ورث عن الإذاعة إمكانية الوصول إلى كل بيت، ويمكن القول أنه يعتبر ابناً لهذه الآباء الثلاثة.
كما أن فيه كثيراً من الصحافة، فهو يقدم الأخبار، ويكفي الصحفي عناء الوصف.
4_ الحضور المتزامن: إن أجهزة التصوير التلفزيوني حاضرة في زمان الحدث ومكانه، وعلى مدار أربع وعشرين ساعة، حاضرة في قاعة المؤتمر وساحة الحرب والمسرح، وفي كل مكان يُراد تصويره.
5_ الآنية: إن تصوير الأحداث ونقلها بشكل مباشر إلى المشاهدين أكسب التلفزيون ميزة عالية، "فأنت على مقعدك الوثير يمكنك متابعة ما يجري على أرض المعركة خطوة بخطوة، وقد أثبت لنا التلفزيون كمتابعين لحرب الخليج [ولأحداث أعوام (2001-2002- 2003) المختلفة] مدى قدرته الهائلة على رصد الأحداث، وهي في طور التشكل زماناً ومكاناً، وأصبح التلفزيون امتداداً للعين البشرية التي لا يغفل لها جفن عما يدور في العالم من مجريات.".
6_ إشراك حاستي السمع والبصر: وهذه الميزة من أهم خصائص التلفزيون، فالصورة الحية المرئية لها أهميتها وفاعليتها في جذب المشاهد، "وتشكل قدرة في التأثير على عواطفه، وهي أقدر على التعبير من آلاف الكلمات. وتعتبر الصورة الحية من أحسن الوسائل إقناعاً، ونحن نعلم أن الرؤية أساس الاقتناع، والرؤية أو البصر أهم وأكثر حواس الإنسان استخداماً في اكتساب المعلومات. ويعتبر التلفزيون من أكثر وسائل الإعلام إيضاحاً وقدرة على التفسير والتوضيح، لما يتميز به من خاصية الجمع بين الصورة المقترنة أو المدعمة بالصوت في مشاهد واقعية قريبة من مدارك الإنسان...كما أن الألوان تساعد المشاهد في استبيان المعلومات واستيعابها، وبذلك يحيل التلفزيون المعلومات والأفكار المجردة إلى صور حية قابلة للفهم والإدراك، وتعطي الصورة الحية إحساساً بالألفة، وتزيد من المشاركة التي يتيحها التلفزيون لمشاهديه." .
إضافة إلى ذلك فإن للتلفزيون خاصته بالمؤثرات المرئية الإلكترونية، التي يكثر استخدامها في مختلف البرامج، وتستعمل بهدف جذب الانتباه، فهناك الانتقال المفاجئ من صورة إلى أخرى لتتابع المَشاهد، وإظهار صورة فوق أخرى، لتجسيد الأفكار التي تجول في ذهن شخصية من شخصيات النص، أو إظهار الأشباح، وتستخدم هذه المؤثرات في إظهار عدة صور في وقت واحد، وفي ظهور منظر وتلاشي آخر، وفي تغيير مفاهيم الزمان والمكان.
كما أن البصر أقل بكثير من شرود الأذن، والذاكرة تحتفظ بالصور المرئية، وتتأثر بها في أعماق اللاشعور، وكثيراً ما تختزنها مدة طويلة.
7_ لجمهور التلفزيون خصائص تختلف عن جمهور الوسائل الأخرى، فجمهور التلفزيون أولاً أكبر من غيره، وهو غالباً متابع وثابت نسبياً، وهذه الميزة تمكِّن المرسل المسلم من تبليغ رسالته، وتسهّل عمله، وتسهم في إعطاء المستقبِل فائدة أكبر.
فهناك أوقات معينة يتفرغ فيها بعض الناس لمتابعة برامج التلفزيون، وكثير منهم يتابعون برنامجاً معيناً في أوقات محددة، وذلك حسب وقت راحتهم ووجودهم أمام الشاشة، إلى ما هنالك من أحوال وظروف.
ولأول مرة في التاريخ يستطيع أن يدخل الإعلامي إلى البيت، فيخاطب الجَدَّ والابن والحفيد، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، في جو منزلي عائلي، وهذا ما أكسب التلفزيون الصفة العائلية.
8_ شاشة التلفزيون قادرة على تكبير الأشياء الصغيرة، وتحريك الأشياء النامية.
9_ للتلفزيون قدرة عالية في مخاطبة الرأي العام والتأثير فيه.
10_ المرسل بعيد عن المستقبل في البرامج التلفزيونية، لذلك لا يعرف ردة فعل رسالته إلا بعد زمن.
11_ تكاليف البث التلفزيوني عبر الفضاء عالية، فهناك ثمن القمر الصناعي، أو رسم الاشتراك في أحد الأقمار، ثم قيمة الأجهزة الأخرى، وهي كثيرة ومتنوعة، وقبل ظهور القنوات الفضائية كانت هناك المحطات الأرضية، وكانت أيضاً عالية التكاليف.
12_ التلفزيون وسيلة تعرض برامجها بشكل محدد، بحيث لا يمكنك كمتابع أن تتعرض لرسائل محدودة في أي وقت تشاء، كما تفعل بالكتاب أو الفيديو، فالأمر ليس قابلاً للتأجيل.
إن هذه المميزات الثلاث السابقة تُعَدّ من الخصائص السلبية للتلفزيون.
13_ مقدرة التلفزيون على خطاب جميع الفئات، من علماء ومثقفين، وعمال وأميين، ومدنيين وريفيين، بل إن القرويين يشاهدون التلفزيون بنسب أعلى من أهل المدن، وذلك بسبب قلة الوسائل البديلة، مثل السينما والمسرح والفيديو والصحف.
14_ يمتاز البث التلفزيوني بسهولة وصوله إلى أي مكان، مما يسّر وجوده في البيوت، إضافة إلى قلة تكلفته المالية للجمهور إذا ما قورن ببعض الوسائل المنافسة كالإنترنت.
15_ الواقعية التامة في نقل الحدث، مع ما يتضمنه من انفعالات وحركات ومؤثرات صوتية، من تصفيق وضجة، وصوت أمواج، ودوي انفجار، وضجيج محركات.. الخ.
فالشاشة على عكس الصحافة والإذاعة، هي أقرب الطرق لنقل الحدث الحي بمصداقية وموضوعية، مما يجعل التلفزيون أكثر مصداقية عند الناس من غيره.
16_ سرعة التلفزيون في نقل الخبر أعطته ميزة إضافية، حيث صار من أهم مصادر الأخبار في وسائل الإعلام.
17_ إن التلفزيون يوصل رسالته للمُشاهد مع الراحة التامة، فهو لا يكلفه عناء الخروج من المنزل للمشاهدة أو تلقي المعلومات، كما هو حال كثير من وسائل الإعلام، كما أن الصوت والصورة فيه أيضاً تتيحان لهذا المشاهد رفاهية عالية في الاستماع والرؤية من دون إجهاد سمعي أو بصري، وهذا ما جعل منه وسيلة تسيطر على ميدان الاتصالات الجماهيرية بشكل كبير.
وهذه الأهمية أعطت للتلفزيون الدور الكبير في مختلف الميادين التثقيفية والتربوية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية.
من أجل هذه الميزات العالية والخطيرة للتلفزيون، اهتم أصحاب الأفكار والقرارات بهذا الجهاز السحري، وسموه رسول العالم المتجول، واستخدموه للتجارة والإعلانات والدعايات، ولتحريك الشعوب وتوجيههم، وصاروا يفضِّلون فيه ثوان معدودة على صفحات كبيرة من الصحف.(14)
تأثير الإعلام فى الرأى العام :
تُعدّ صياغة وتشكيل الرأي العام في المجتمعات من الأدوار الرئيسة التي تقوم بها وسائل الإعلام، ويتضاعف ذلك مع التطورات النوعية المتزايدة في مجالات تقنية الاتصالات، والتي منحت وسائل الإعلام إمكانيات وقدرات هائلة في التأثير على الآخرين، الأمر الذي جعل من وسائل الإعلام عاملاً رئيساً من العوامل المؤثرة على الرأي العام؛ إن لم يكن أهم تلك العوامل.
وتتم عملية التأثير على الرأي العام بخطوات وأساليب متعددة، فوسائل الإعلام باعتبارها مصدراً مهماً من مصادر المعلومات تقوم بتزويد المتلقي بشكل مستمر بكمٍ هائل من المعلومات والمعارف المختلفة في شتى القضايا والموضوعات، وهذه المعلومات قد تكون صحيحة ضمن سياقاتها الطبيعية، وقد تنزع منها فتتغير دلالاتها، وقد تكون معلومات ناقصة ومشوّهة، بل وقد تكون مكذوبة، كما أنها قد تكون معلومات محايدة لا يُراد منها خدمة توجّه معين، وقد تكون معلومات موجهة، وهذه المعلومات والمعارف المتنوعة تُعدّ القاعدة الرئيسة التي من خلالها تتمكن وسائل الإعلام من إحداث أنواع مختلفة من التأثير سواء المدى القريب أو البعيد، وبهذا الاعتبار يُعدّ تزويد وسائل الإعلام للمتلقي بالمعلومات المختلفة آلية أولى في عملية تأثيرها على الرأي العام.
وتكمن الخطورة في هذه الآلية عندما تقوم وسائل الإعلام في سبيل تشكيل رأي عام معين بنشر معلومات موجهة من خلال مجموعة من البرامج الإعلامية المتنوعة والتي تخدم بشكل غير مباشر، ومن حيث لا يشعر المتلقي ذلك الرأي، ولكن على المدى البعيد، "فحينما تقوم وسائل الإعلام بتقديم المرأة ضمن إطار معرفي مخالف للتكوين المعرفي الذي لدى الجمهور عن المرأة، وتلجأ في سبيل ذلك إلى استخدام قوالب جذابة تُعرّى من خلالها المرأة، فهي ناجحة لأنها متحررة من ضوابط القيم، وهي محط الأنظار؛ لأنها استغلت النواحي الجمالية في جسدها، وهي مشهورة؛ لأنه عرف عنها مقاومة الأعراف والتقاليد.. وهكذا، وتتم عملية التغيير المعرفي عبر عملية طويلة تتنوع فيها جزيئات التكوين المعرفي الجديدة التي يُراد إحلالها محل المعرفة القديمة، فهذا مسلسل يصور العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال رؤية عصرية، وهذا مقال يتحدث عن قصة نجاح فتاة تغلبت على ظروفها، فتمرّدت على التقاليد، وسافرت وحدها إلى أمريكا حيث رجعت بأعلى الشهادات، ثم هناك خبر عن إنجاز نسائي؛ إذ حصدت النساء الألمانيات الميداليات الذهبية في مسابقات العدو للمسافات القصيرة والسباحة الحرة، بينما فشل الرجال في تحقيق أي شيء، وهكذا تتجمع جزيئات المعرفة الجديدة لوضع المرأة بين حياة عصرية وتمرد على التقاليد وإنجازات تفوّقت فيها على الرجال لتشكل إطاراً جديداً يحل شيئاً فشيئاً محل القديم ").
كما أن من الآليات التي تنتهجها وسائل الإعلام في التأثير على الرأي العام الانحياز لبعض الآراء و إبرازها للجمهور، والتركيز عليها بأكثر من طريقة سواء كانت مباشرة أوغير مباشرة، والاحتفاء بها، والحديث عن إيجابياتها، والتقليل من شأن سلبياتها، وفي المقابل تقوم بتشويه الآراء الأخرى، وإبراز سلبياتها وتضخيمها، وافتعال الإشكالات حولها، ويصل الوضع أحياناً لحد تجاهل تلك الآراء وحجبها عن الجمهور.
وقد وجدت دراسة تحليلية غربية أن وسائل الإعلام تدفع الجمهور إلى تبني رأي معين من خلال إيهام المتلقي بأن موقفها يمثل الرأي العام، فتصفه مثلاً بأنه يمثل "الموقف الوطني" أو"الإحساس العام" أو أن "معظم الناس يؤيدون.."، أو من خلال اللجوء إلى التقاليد الاجتماعية، والادّعاء بأن الآراء الأخرى تخالف تقاليد المجتمع، وأنها آراء شاذة، أو عبر تقديم تفسيرات قانونية اجتهادية لتصبح أعمال أصحاب الآراء الأخرى وأنشطتهم خروجاً عن القانون، وإن كانت هذه التفسيرات غير مسلمة وقابلة للنقاش).
وتبدأ أولى مراحل تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام على الصعيد المعرفي، إذ تقوم وسائل الإعلام بصياغة تكوين معرفي جديد لدى الأفراد حول القضية محل التأثير أو على الأقل إحداث خلخلة في التكوين المعرفي القديم حول تلك القضية، ويتم ذلك من خلال تزويد المتلقي بالمعلومات المختلفة المباشرة وغير المباشرة، والتي تعمل على اجتثاث الأصول المعرفية القائمة لقضية أو لمجموعة من القضايا لدى الأفراد، وإحلال أصول معرفية جديدة بدلاً عنها، وتأثير وسائل الإعلام في طريقة تفكيرنا وأسلوب تقييمنا للأشياء من خلال ما نتلقاه منها من معلومات يؤدي إلى تحول في قناعاتنا وفي معتقداتنا؛ لأن العقائد حصيلة المعرفة التي اكتسبناها، فنحن نعرف على سبيل المثال الحلال والحرام - وهذه عقيدة - من خلال العلم والمعرفة التي تعلمناها عن ذلك الحلال و الحرام).
كما أن لوسائل الإعلام قدرة على تصوير القضايا والأحداث والأشخاص على خلاف الواقع الفعلي، وتقديم تلك التصورات للجمهور على أنها تمثل الصورة الحقيقية، وذلك من خلال توظيف مفهوم الصورة الذهنية، حيث تعرض وسائل الإعلام جزءًا من الصورة الحقيقية عن قضية ما، وتركز عليه، وتقدمها للجمهور على أنها تمثل الصورة الحقيقية بكامل أجزائها، ومن خلال تعرض المتلقي المستمر لوسائل الإعلام تتكون لديه صور ذهنية متعددة عن جملة من القضايا أو الأحداث بناء على الاتجاهات السياسية والفكرية والثقافية لتلك الوسائل، وعلى سبيل المثال فالوضع العام للمرأة السعودية في الجملة وضع محافظ، ولكن هناك نماذج فردية تشذ عن القاعدة العامة، فعندما تقوم الصحافة بإبراز تلك النماذج الشاذة وإظهارها على أنها تمثل واقع المرأة السعودية، فإن ذلك يقوم برسم صورة ذهنية معينة تخدم أجندتهم الفكرية تختلف عن الواقع الحقيقي، وهذا الدور في التأثير يُطلق عليه بـ "صياغة الواقع".
وتغير التكوين المعرفي والقدرة على صياغة الواقع تحدث على المدى البعيد تغييراً آخر على مستوى المواقف والآراء؛ إذ إن مواقف الأفراد وآراءهم تُبنى في العادة على التكوين المعرفي للقضية محل التأثير و صورتها الذهنية، وبمجموع تلك الآراء يتشكل الرأي العام في المجتمع.(13)