الحل الإسلامى .. محمد الدسوقى عبد العليم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخى الزائر الكريم، مرحباً بك..يشرفنا زيارتك لمنتدى الحل الإسلامى .. منتدى إسلامى دعوى ثقافى رياضى اجتماعى ، يسرنا ردودكم وتعليقاتكم واقتراحاتكم . كما يسرنا تسجيلك معنا.. فمرحباً بك زائراً ومعقباً وناقداً ..
الحل الإسلامى .. محمد الدسوقى عبد العليم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخى الزائر الكريم، مرحباً بك..يشرفنا زيارتك لمنتدى الحل الإسلامى .. منتدى إسلامى دعوى ثقافى رياضى اجتماعى ، يسرنا ردودكم وتعليقاتكم واقتراحاتكم . كما يسرنا تسجيلك معنا.. فمرحباً بك زائراً ومعقباً وناقداً ..
الحل الإسلامى .. محمد الدسوقى عبد العليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحل الإسلامى .. محمد الدسوقى عبد العليم

الاخوان المسلمون: دعوة سلفية،وطريقة سنية،وحقيقة صوفية،وهيئة سياسية،وجماعة رياضية،وشركة اقتصادية،وهيئة اجتماعية.
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(2)م/ محمد الصَّرويّ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 23/04/2011

الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(2)م/ محمد الصَّرويّ Empty
مُساهمةموضوع: الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(2)م/ محمد الصَّرويّ   الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(2)م/ محمد الصَّرويّ I_icon_minitimeالأربعاء 27 أبريل 2011, 2:44 am

الفصل الثاني :ابتلاءات الإخوان قبل الثورة
المبحث الأول
أول قضية لُفقت للإخوان المسلمين (1942م)

كانت أول قضية لفقها أتباع الإنجليز، الذين كانوا يحكمون مصر في عام (1942م) هي اتهام بعض الإخوان بمحاولة قلب نظام الحكم.. فقام " المجلس البريطاني " في مدينة (طنطا) بتلفيق القضية للأخوين:
- محمد عبد السلام فهمي... مهندس بمصلحة الطرق والكباري (صار فيما بعد عميداً لهندسة أسيوط، فوكيلاً لجامعة الأزهر، ثم رئيساً لهيئة السكة الحديد).
- جمال الدين فكيه.. موظف ببلدية طنطا.
قد كانا من كبار الإخوان المسلمين بطنطا – آنذاك. " وقلب نظام الحكم " هي التهمة المفضلة التي يتهمون بها الإخوان منذ أكثر من ستين عاماً،  أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ  [الذاريات: 53].
وأودع الإخوان سجن الحضرة بالإسكندرية، على ذمة القضية الجنائية العسكرية العليا رقم 822 لسنة (1942م) – قسم الجمرك – الإسكندرية.
والمجلس البريطاني (British Counsel) مؤسسة ظاهرها ثقافي، لنشر اللغة الإنجليزية والعادات والتقاليد البريطانية في طنطا، لكن المشرفين عليها كانوا موالين للإنجليز قلباً وقالباً.
أما المحقق فكان الأستاذ محمد توفيق رفقي رئيس النيابة وأعضاء المحكمة هم المستشارون: فؤاد بك أنور (رئيساً)، محمد توفيق إبراهيم بك (عضواً)، زكي أبو الخير الأبوتجي بك (عضواً)، ومعهم اثنان من العسكريين.
اهتم الإمام حسن البنا بالمحاكمة، ووكل جمعاً غفيراً من المحامين للدفاع في هذه القضية. وهم الأساتذة:
محمد علوبة باشا (نقيب المحامين)، عبد الرحمن البيلي بك (صار نقيباً للمحامين فيما بعد)، محمد فريد أبو شادي (صار أيضاً نقيباً للمحامين فيما بعد)، عمر التلمساني... محام وعضو مكتب الإرشاد.. ثم المرشد الثالث بعد ذلك، علي منصور (نقيب المحامين فيما بعد)، محمد فهمي أبو غدير، محام وعضو مكتب الإرشاد.
ورغم كفاءة المحامين، إلا أن الإمام حسن البنا بذل جهوداً كبيرة، ونجح في توكيل الأستاذ المحامي القدير علي بدوي عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة... وكان أستاذ كل الأساتذة المحامين والمستشارين في ذلك الحين... وهو عميد القانونيين في مصر على مدى نصف قرن من الزمان.
وقد مكث الإخوان في سجن الحضرة ثمانية شهور رهن التحقيق، ولما حان وقت المحاكمة تم نقلهما إلى سجن الاستئناف بوسط القاهرة، وكانت من أشهر المحاكمات في ذلك الوقت.
ترافعت النيابة واتهمت الأخوين بتهمة الخيانة العظمى!! رغم أن شيئاً من ذلك لم يحدث على الإطلاق!، ولكن النيابة ادعت أنهم يعدون (جيشاً)!!! للترحيب بمقدم "روميل" القائد الألماني الشهير الذي جهز جيشاً لضرب الإنجليز، ولكنه – أي روميل – انهزم في موقعة " العلمين " الشهيرة.
حكمت المحكمة أخيراً بالبراءة للأخوين فهمي وفكيه، وكان نصراً للعدالة، ورفعة للإخوان.
هذه قصة أول محاكمة للإخوان عام (1942م). أما سجن الحضرة الذي شرف باستقبال الأخوين الكريمين فهو سجن صغير في حي الحضرة بالإسكندرية، لم يحدث عليه أي تطور طيلة خمسين عاماً.
المبحث الثاني
الإخــوان في معتقل الهاكستــب

في ديسمبر 1948م أصدر رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي قراراً بحل جماعة الإخوان المسلمين استجابة لرغبة الإنجليز، فأغلقت دور الإخوان المسلمين، وصودرت ممتلكاتهم، واعتقل عدد كبير منهم – إلا فرداً واحداً هو الإمام حسن البنا...، وبعد عشرين يوماً من حل الجماعة اغتيل محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء، على يد الطالب عبد المجيد حسن الذي ارتدى زي ضابط شرطة ودخل مكتب رئيس الوزارة وقتله بمسدسه... وجاء إبراهيم عبد الهادي رئيساً للوزراء الذي انتقم باغتيال حسن البنا في 12 فبراير 1949م، وكان الإخوان المعتقلون بالآلاف قد أودعوا في معسكر الهاكستب.
وهذه المنطقة كانت معسكراً للإنجليز، وهي بين القاهرة ومحافظة الشرقية تبعد حوالي 30 كيلو متراً شمال شرق القاهرة، وبعد أن رحل عنها الإنجليز قامت الحكومة بتجهيزها كمعتقل للإخوان المسلمين.
وفي عام 1948م تم اعتقال وترحيل الإخوان من جميع المحافظات إلى معتقل الهاكتسب كمركز تجميع، تمهيداً لترحيلهم إلى جبل الطور في سيناء.
ويحكى الأخ علي أبو شعيشع في كتابه " يوميات بين الصفوف المؤمنة " أن هذا المعتقل كان فيه أسرة (جمع سرير)، لكن بسبب كثرة عدد المعتقلين كان كل اثنين من الإخوان المعتقلين ينامان على سرير واحد.. وقد تم توزيع بطاطين (أغطية) عليهم... وكعادة الإخوان قاموا بترتيب المعتقل.. وأبرز ما حدث في هذا المعتقل هو السرعة الفائقة في تنظيم الإخوان لأمورهم داخله رغم أنه كان مجرد محطة للترحيل إلى جبل الطور.. ومن هذه الترتيبات:
- طابور رياضة الصباح لجميع الإخوان.
- تقديم الوجبات الغذائية وانتظامها.
- إيقاظ الإخوان قبل صلاة الفجر.
كان أحد الإخوان وابنه يطوفان المعتقل يرددان نداءً عذبًا:
يا نائمًا مستـغرقًا في النوم قمْ واعبدْ الحي الذي لا ينام
مـولاك يدعـوك إلى ذكـــره وأنت مشغـــول بطيب المنـام
وقد كنت أعتقد أن معتقل الهاكستب ليس به أحداث.. فالكلام عنه في المراجع نادر.. حتى عثرت على كتيب للدكتور حسان حتحوت أستاذ النساء والولادة والمفكر الإسلامي والإخواني القديم الذي صاحب الإمام حسن البنا عشر سنوات.. هذا الكتيب بعنوان " العقد الفريد – عشر سنوات مع الإمام حسن البنا ".
وننقل هنا من كتاب د. حسان حتحوت بعض هذه الفترات (بتصرف):
" معسكر الهاكستب عنابر واسعة من البناء سابق التجهيز، كل منها محاط بالأسلاك الشائكة، فلا منفذ منه ولا إليه، كان المبنى الذي ذهبت إليه يسمى عنبر الإدارة لأن به مكتب قومندان المعسكر والضابط، وبعد إجراء التسجيل والتسليم دخلت دهليزاً طويلاً فوجدت الأخ إبراهيم الشربيني (رحمة الله.. كان رجلاً شهماً ووطنياً مخلصاً) يهش للقائي..
كانت هناك غرفة وحيدة صغيرة يشغلها مع عدد عبد المجيد وفتحي البرعي (وكان طالباً بكلية الزراعة ولا أدري أين هو الآن). كان كل منهم يشغل ركناً، فدعوني لأشغل الركن الرابع، وكان سائر الإخوان في العنبر المجاور.
كان في جناح الإدارة كذلك المعتقلون من اليهود والشيوعيين والوفديين، ولكن في طرف آخر غير منفصل إلا معنوياً، وكان الفناء واسعاً من دون السلك الشائك، فترك مجالاً للتمشية والرياضة. وطالما تمشيت مع الزميل (ع. ح) (أحد القيادات الشيوعية )، وكانت الأحاديث بيننا ممتعة فكرياً، رغم تناقض العقائد والمنطلقات. وأحياناً نتمشى مع الشاب التقي يوسف القرضاوي الطالب بالأزهر، نذكر الله وندعوه ونأنس به، ولم يدر بخلدنا آنذاك أن هذا الشاب سيصبح واحداً من أكبر فقهاء العصر. وكنا نأخذ (الجراية) جافة من المتعهد، إذ صنع المعتقلون مواقد كهربائية بحفر قالب طوب وإيداع سلك يوصف طرفاه بالكُبس الكهربائي. لم يكن الطعام بالغ الرداءة ولا بالغ الحسن، ولكنه كان مملاً. واشتهينا ذات يوم (تورتة) من محل جروبي، لكنه كان اشتهاءً من قبيل الخيال.. حتى قال زميلنا وجيه الباجوري (الدكتور فيما بعد) إن الأمر ليس بهذا الإعجاز، وأخذ على عاتقه تنفيذه.. ونحن غير مصدقين.
وكان وجيه طالباً بالطب، ليس له صلة بالسياسة، لكنه كان ابن خالة عبد المجيد حسن الذي قتل النقراشي، فأتوا به ووالده الدكتور الباجوري – رحمه الله – الذي كان أستاذ الفسيولوجيا بكلية الطب، ومن أحب الأساتذة إلينا. المهم بعد أيام وصلت (التورتة)، فكيف وصلت؟! جاءت في السيارة الوحيدة التي يسمح لها بدخول المعتقل بدون تفتيش. جاءت في شنطة سيارة قائد المعتقل، بعد أن أقام وجيه علاقة إيجابية مع سائق السيارة وبعض عساكر الشرطة.. بما يعود بالنفع على الطرفين.
كانت هذه الفترة من أمرح فترات حياتي (ولا أقول أسعدها) .. كان لدي إدرار غزير من النكت والقوافي والقفشات، لدرجة أن الأخ (أ. ف) كان يتبعني باستمرار ومعه دفتر وقلم ليسجل عني ما أقول.. وكان بعد طالباً في الطب معتقلاً على ذمة الوفديين ولم يكن وفدياً ولا يحزنون. وكانت للأخ الفنجري اهتمامات بالتنويم المغناطيسي لم نأخذها مأخذ الجد الذي يفضي إلى الرفض أو القبول، لكنه في إحدى هذه المرات نوم واحداً من المعتقلين (لا أذكر اسمه ولكنه كان فيما بعد إماماً لمسجد السيدة زينب) ، وطلب منه أن يذهب إلى إبراهيم عبد الهادي (رئيس الوزراء) ليرى ماذا يفعل: فأجاب بأنه اكتشف مؤامرة تمرد في الأورطة التاسعة بالجيش، وأن عبد الهادي نفسه يحقق الآن مع عدد من الضباط !! أخذناها آنذاك بفتور.. وكنا في أواسط 1949م !!!.
وسارت الأمور على وتيرة واحدة في المعتقل (وكنت دائماً أسميه المعكسر).. وأعلنوا أنهم فتحوا باب التظلم للمعتقلين.. فمن أراد قدم طلباً جاءه الرد خلال شهر، لكن كل الردود كانت سلبية وتقضي برفض التظلم، وفي يوم من الأيام استدعى الضابط النوبتجي المعتقل محد الشحات (دكتوراه فيما بعد) ليوقع على علمه بالرد على التظلم. قال له "امض هنا" قال "أمضي على أيه" قال له " مش مهم تعرف" فأجابه لا أوقع على شيء لا أعرفه. قال الضابط "امض يا حيوان" فأجاب الشحات " أنت اللي حيوان"! وقامت القيامة! وانهالت العصى من الجنود على الشحات والمسكين يصيح ويستغيث في علقة لا يعلم لها آخر. وهنا أمسك معتقل يهودي اسمه إلياهو " كان طالباً بالطب " بحجر ورماه باتجاه غرفة الضابط!!. وساد هدوء بدأت معه الحلقة التالية: إذ قام جنود الشرطة بإشراف الضابط بتكسير مكتب القومندان وتكسير زجاجات الكوكاكولا الفارغة في إخراج متقن لإقناع النيابة بأن المعتقلين قاموا بحركة تمرد كبيرة اعتدوا فيها على الضابط ومبنى الإدارة.
وفي خلال ساعة كانوا قد فصلوا المعتقلين الآخرين عن الإخوان وأخذوا التمام، ووصلت "فرقة الباشا" والباشا هو اللواء سليم زكي حكمدار العاصمة آنذاك. أما الفرقة فكانت مدربة على أعمال الضرب والقمع والعقاب. ومن آخر الممر رأينا الفرقة تتقدم ومنظر الخوذات والعصى كمنظر القباب والمآذن. وقفز أربعتنا إلى غرفتنا الصغيرة. وحاول أحدنا أن يقفز من فوق الحائط إلى غرفة بها معتقلون سودانيون لكنهم طردوه مهددين بالإبلاغ عنه. وفي المستقبل عندما جاء دور العتاب قالوا عيب أن يفر وواجبه أن يثبت مع إخوانه!! وأغلقنا الباب مستحكمين، وراح إبراهيم الشربيني يدق مسماراً كبيراً فوق الباب بنية أن يثني المسمار فكأنه ترباس، لكنه كان يدقه بكنكة قهوة صغيرة لا تجدي، وفوق ذلك فقد كان الباب نفسه من ورق الكرتون السميك.. فلما شرع الجنود في تحطيمه وجدنا البلطة تخترقه وتدخل بين رءوسنا. ورغم أن سماع صوت العصى تنهمر كالمطر على الإخوان في العنبر بين صياحهم واستغاثتهم كان يدفعنا إلى الاستماتة في دفع الباب لإغلاقه، إلا أننا خشينا من تحطيم أدمغتنا بالبلطة كانت أشد.. ولم نجد إلا ترك الباب، وقفزنا إلى الركنين البعيدين من الغرفة والكل يحاول أن يكون خلف صاحبه، ووجدتني خلف الزميل علي عبد المجيد، وانفتح الباب: وبدأ العسكر يتقدمون، وأخذت تهوي العصى عشوائية على كل مكان، أصابت واحدة عيني فانقدحت بمثل البرق وأذني ورأسي وجسمي كله. وأدركت أن تترسى خلف علي لا يغني شيئاً، فقررت أن أقف منكمشاً وأخرج من ورائه تحت الضرب الهاطل، لكنني كنت أجابه الشرطي منهم وأمسك به قابضاً على كتفه واضعاً وجهي في وجهه وأسأله بهدوء وابتسامة خفيفة: "لماذا تضربني؟ هل بيننا عداء؟ ألم يخطر ببالك أن تسأل نفسك لماذا تضربني؟".. فيشيح بوجهه عني ويجيء الضرب من كل مكان، فأمسك بشرطي آخر وأسأله نفس الأسئلة.. ورغم انكشافي وتعرضي للزيد إلا أن هذه العملية – محاولة وضع الإنسان أمام إنسانيته – قد أفادتني نفسياً كما شغلتني عن مجرد الجلوس في انتظار سلبي لما يجيء من ضربات.
وانتهى الأمر فجأة.. وصاح بهم أحد ضباطهم: " بس يا بن الكلب أنت وهوه " وكأن حنفية كانت مفتوحة فأقفلتها يد قوية، ورثيت لحال هؤلاء العسكر الذين ضاعت منهم إنسانيتهم فدربوا على أن يكونوا كلاباً مسعورة تنهش بأمر وتسكت بأمر.
وانسحب العسكر.. وخيم صمت رهيب.. ودخلت على العنبر المجاور أزوره فذكرني فوراً باللحمة المفرومة. أكوام من الأثاث المبعثرة والأجساد المبعثرة الملطخة بالدماء وبالكدمات. قام إليَّ الأخ الأستاذ صالح أبو رقيق (عضو مكتب الإرشاد) معانقاً.. وقلنا بصوت واحد " تقبل الله ". إن الأخ صالح لما دخل الجند وقف أمامهم ومد ذراعيه جانباً يتلقى الضربات عمن وراءه من الإخوان، وذلك من ضراوة العسكر. بل إن العسكري الذي كان ينهال عليه ضرباً إذا وقعت من يده العصا انحنى صالح والتقطها وردها إليه من جديد وعلى ثغره ابتسامة، فيأخذه الوحش وينهال عليه ضرباً من جديد!.
وبينما كنا جلوساً لا تسعفنا الكلمات لا تسعفنا الكلمات إذا بالأخ عبد الودود شلبي، الطالب بالأزهر (وكيل الأزهر فيما بعد) يدخل جرياً وهو يكرر في هلع كبير " عثمان بن عفان .. عثمان بن عفان " ولعل أحد العساكر لاحقه بالخارج.. ولا ندري كيف، لكنها كانت كافية ليضحك الجميع ويتبدد هذا الجو الكئيب.
وكنت في " المعسكر " ألبس بنطلوناً قصيراً تاركاً النصف الأعلى من جسمي عارياً تماماً؛ ولهذا فقد بدا أثر الضرب صارخاً، وبدوت مخططاً مثل النمر تماماً وجروحي تنشع بالمصل والدم. وأخذني أحدهم إلى الجناح الآخر فضمد اليهود جراحي ووضعوا عليها مرهمًا. وجاءني هنري كورييل (يهودي – مؤسس الحزب الشيوعي المصري). وحدثني عن الشيوعية وعن انتصارها في الصين، واتوني بكتاب اسمه " النجمة الحمراء في الصين " . ودخل القومندان إليهم فألقوا عليّ ملاءة لإخفائي عنه. جاء يسأل إن الكوكاكولا قد وصلت إليهم، مؤكداً أنه لن يسمح بعد اليوم بها لأولاد الكلب الآخرين. وعلمت أنهم يلعبون البوكر مع القومندان واسمه (عبد الحفيظ) ويخسرون له قصداً، فكانوا ينالون تسهيلات كبيرة، بل كان بعضهم يخرج لقضاء الليل في بيته ويعود في الصباح. وعدت للإخوان وقد عز علينا النوم في تلك الليلة، لأن إشاعة سرت بأنهم سيحضرون فرقة الباشا مرة ثانية ليفاجئنا مرة أخرى في أثناء نومنا بعلقة جديدة. لكن لم يحدث. وفي الصباح أخرجونا فأوقفونا طابوراً وبدءوا في عد التمام. كنا في غاية الرهبة، فإذا سمع أحدنا اسمه أجاب صائحاً " أفندم " .. لكن حدث أن الضابط الذي ينادي على الأسماء وصل إلى اسم عبد الودود فقرأه هكذا: "عبد الوِدْودْ ". ولم يحتمل الأمر أن ننفجر بالضحك المتواصل، والضابط عاجز في خزيه فانصرف.
وعلمت فيما بعد أن يوم العلقة كان يوم زيارة للأسر.. فأعدت لي أمي كيكة فاخرة من صنع يديها، ولما ذهبوا إلى قسم الشرطة الذي تقوم منه قافلة الزوار عاملوهم بغلظة، وفاجئوهم بأن الزيارة ألغيت.. وعادت أمي وأبي كسيرين إلى البيت ووضعت الكيكة لم تمتد إليها يدوكأنها ميت مسجى حتى رموها في القمامة.. وبعد فترة جاءت أمي وأبي زائرين وحييتهما من خلال القضبان، وكنت ألبس قميصاً، سألتني أمي عن الجرح في جبهتي فأخبرتها أنها خبطة في الشباك.
وغداة العلقة أقاموا علقة خاصة لكبار الشخصيات الإخوانية ولحسن الحظ لم أكن منهم.
ومرت الأيام بعد ذلك ثقيلة تحت وطأة حر الصيف في الصحراء، الذي أوحى بأغنية كثر تردادها مطلعها " معتقل الأحرار بين لهيب النار – هاكستب.. هاكستب" كذلك تحت وطأة شوقنا إلى من بالخارج. والظاهر أن عدة حالات مرضية ظهرت بين المعتقلين، سواء في الهاكستب أو في معتقل جبل الطور، ووجدت الحكومة نفسها تحت ضغط شديد من أقرباء المعتقلين، ومنهم كثير من نواب البرلمان حتى من حزب الحكومة، فرجعت عن قرار المنع الكامل للعلاج بالمستشفيات، ونظمت فرقاً من الأطباء تزور المعتقلات مع التنبيه بعدم التحويل للمستشفيات، إلا في حالة الضرورة القصوى.. وأبلغنا بموعد قدوم الفريق الطبي لتسجيل أسماء الراغبين في الفحص!.
كانت فرصة ثمينة ولكن لمن يحسن انتهازها. صديقي إبراهيم الشربيني (رحمه الله) استحصل على حقنة وإبرة وعبأ 2 سنتيمتر من الحليب المركز المحلي (الذي له قوام العسل) وحقن نفسه بها في العضل. ومعروف أن حقنة الحليب ترفع الحرارة فكانت حقنة اللبن علاجاً معروفاً لحالات الرمد الصديدي في العينين قبل حقنة المضادات الكيمائية والحيوية، على اعتبار أن الحرارة العالية تقتل الميكروبات. وارتفعت حرارة إبراهيم إلى 42 درجة مئوية وعاينه الأطباء ولم يصرحوا بتحويله للمستشفى.
كانت لي أنا خطة مختلفة، والحرب خدعة، طليت إصبعي بطبقة من هذا الحليب وتركته حتى يجف. وشبكت في ملابسي الداخلية دبوس مشبك. وذهبت للأطباء في حالة أليمة من المرض أشكو لهم من ألم الكلية وتقيح البول.. كان مظهري يستدر الشفقة، وكان طبيعياً أن يعطوني كأساً طالبين عينة من البول. ونظراً لأن الغرفة كان بها ناس. وأن الحياء من الإيمان فقد ذهبت بالكأس إلى الحائط واستدرت مولياً ظهري.. وشككت إصبعي بالدبوس وغسلته بسيال البول وكان اللبن والدم والبول عينة ممتازة للبول ذي الصديد والدم.. فانزعجوا وقالوا: إلى المستشفى فوراً. ويا النعيم!. وإلى مستشفاي مرة أخرى. مستشفى الدمرداش الجامعي. نفس الغرفة الخاصة التي خرجت منها مكبلاً بالحديد.
ويواصل د. حسان حتحوت قائلاً: وفي هذه الفترة استطاع الأخ نجيب جويفل الذي كان تحت الحراسة أن يغافل حراسه ويهرب من المعتقل ومنه إلى سوريا.
وكانت تأتينا أخبار قضايا الإخوان في المحاكم. ولأول مرة نعلم أن مصر قد دخلت عصر التعذيب في التحقيقات، وأن رئيس الوزراء كان يشرف على التعذيب بنفسه أحياناً، وأنه هدد أحد المتهمين بأن يأمر العسكري الأسود بأن يرتكب فيه الفاحشة، وكانت بدايات التفنن في التعذيب، وهي بدايات نمت وازدهرت وأنبتت من كل زوج قبيح.
وزارني الدكتور حسن حتحوت، عضو مجلس الحزب الحاكم، الحزب السعدي الذي يرأسه رئيس الوزراء إبراهيم باشا عبد الهادي. طلب مني أن أعطيه كلمة الشرف بأنني غير متورط في أي عمل إجرامي، حتى يبذل مساعيه الخاصة وهو مطمئن. وطمأنته على ذلك. وهو إنسان نبيل – رحمه الله – وإن كانت الظروف في ذاك الآن لا تنفع فيها الوساطة. وكانت أمي رحمها الله قد طرقت كل الأبواب وسلكت كل المسالك بلا هوادة، ولنا أقارب كبار في الأحزاب سواء الوفد أو أحزاب الأقليات (الحاكمة)، وأمي طاقة كبيرة لا تهمد ولا تخمد، بالقياس على أبي الذي كان ذا شخصية هادئة فلسفية تتقن الصبر وتتوكل على الله.
كانت مصر متوترة.. وسرت أخبار التعذيب بين شعب لم يعهدها من قبل.. وبرأت المحاكم المتهمين في بعض قضايا الإخوان الكبرى مشيدة بوطنيتهم وحسن بلائهم في فلسطين، وأهملت قضية جلاء الإنجليز عن مصر تماماً، وكانت المرارة في فم الجيش بعد فلسطين وفي فم الشعب من كثرة المعتقلين.. وكان واضحاً أن الأمور لا تستقيم على هذا الحال.
وزارني ذات صباح – مبكراً – الدكتور فؤاد الرشيد يقول إنه سمع من مصادر في السراي أن الملك أرسل يستدعي حسين باشا سري من مصيفه بالخارج.. وأن أكتم الأمر، وزارتني أمي بعدها بقليل وأخبرتني أنها على موعد للذهاب لبعض أقاربنا من ذوي السلطات في سلسلة مساعيها للإفراج عني، وأوصيتها أن تؤجل الأمر أياماً، متوقعاً أن تسقط الوزارة، وظنت أمي أني عبقري سياسي عندما بعث الملك بعد أيام خطاب الإقالة لإبراهيم عبد الهادي بسبب ما يعانيه الشعب من القلق والتوتر من حكمه، وتكليف حسين باشا سري بتشكيل وزارة محايدة تحل مجلس النواب وتحضر لإجراء انتخابات حرة بإشرافها.
وحسين باشا سري من السياسين المستقلين، أي ليس عضواً في حزب سياسي، وهو مهندس كفء، ومعه طاقم السياسين الذين يحتاج إليهم لتولي وزارة محايدة بفترة مؤقتة تجري فيها الانتخابات ليتولى الحكم بعد ذلك حزب الأغلبية.. ولم يكن ذلك صحيحاً دائماً، فإذا كان الوفد في الحكم وأراد الملك التخلص منه فلن تكون الانتخابات نزيهة، وإذا كانت أحزاب الأقلية في الحكم وأراد الملك التخلص منها فيكفي أن تعقد انتخابات نزيهة ليعود الوفد للحكم. وكان هذا النظام يتيح للملك أن يقلب كفه الميزان كلما ضاقت الحال بالناس من حكم أحد الفريقين، ديكتاتورية الأقليات أو محسوبيات الوفد؛ وذلك لامتصاص نقمة الأمة فلا تنفجر فيه، وإن كانت الحقيقة دائماً أنه لا يحب الوفد، ولا يرحب به نظراً لقاعدته الشعبية العريضة وتمسكه بالدستور في مواجهة الملك.
وبدأت وزارة حسين سري تفرج عن المعتقلين. وخرجتُ إلى الحياة – بحمد الله .
إن الشيخ يوسف القرضاوي فيحكي أيضاً نقولا مطولة عن الحياة في معتقل الهاكستب في مذكراته أبرزها العلقة الساخنة التي تلقاها الإخوان المعتقلون من الضابط فريد القاضي الذي أراد أن يعلِّم المعتقلين كيف يحترمون الضابط، فاستدعى أورطة (سرية أو عدة سرايا) من العساكر (مثل عساكر الأمن المركزي) ومعهم العصى الغليظة، وأذاقوا المعتقلين جميعاً علقة شديدة جداً.. ورغم ذلك قابلها شعراء الإخوان بابتسامة شعرية، فأنشد أحدهم يناجي محبوبته فقال :
ولقد ذكرتك والجنود تعجني
وسط العنابر بالعصايا يا سوسو

على غرار ما قال عنترة بن شداد لمحبوبته عبلة في إحدى المعلقات السبع:
ولقد ذكرتك والرياح نواهل
فوددت تقبيل السيوف لأنها
مني، وبيض المهند تقطر من دمي
لمعت كبارق ثغرك المبتسم

وكان بالعنبر الآخر – أثناء العلقة بعض كبار الإخوان مثل الشيخ عبد المعز عبد الستار، والأستاذ عبد الحكيم عابدين.. وكان الشيخ عبد المعز يصرخ فيهم وهم يضربونه قائلاً: اضربوا يا أندال، اضربوا يا كلاب.
ونظم الشيخ يوسف القرضاوي قصيدة في هذا الشأن اقتطف منها هذه الأبيات القليلة:
ما للجنود ذوي العصا ومالي؟
ما بالهم هجموا علينا بغتة
قد كشروا عن نابهم، وتقدموا
حملوا العصى غليظة كقلوبهم
لِمَ كل هذا الحشد من جند، ومن
وإذا عجبت فإنَّ أعجب ما أرى
ضرب بلا هدف، ولا معنى، ولا
كم بيننا من ذي سقام يشتكي
كم بيننا شيخ ينوء بعمره
كم بيننا من يافع ومرفه
ما كنت بالباغي ولا المحتال؟!
متوثبين كهجمة الأغوال؟!
ببسالة للثأر من أمثالي!
ومضوا كالسيل من مكان عال
حرس، كأن اليوم يوم نزال؟!
إضرام معركة بغير قتال!
عقل، سوى تنفيذ أوامر الوالي!
لكن لمن يشكو أذى الجهال؟
يعدو الجهول عليه غير مبال
لم ينج من ضرب وسوط نكال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhallalislamy.ahladalil.com
 
الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(2)م/ محمد الصَّرويّ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(1)م/ محمد الصَّرويّ
» الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(3)م/ محمد الصَّرويّ
» الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(4)م/ محمد الصَّرويّ
» الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(5)م/ محمد الصَّرويّ
» الإخوان المسلمون فى سجون مصر(من عام 1942م-1975م)(6)م/ محمد الصَّرويّ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الحل الإسلامى .. محمد الدسوقى عبد العليم :: المدونــــات :: الإخوان المسلمون-
انتقل الى: